الاثنين، 26 سبتمبر 2022

“الشرفة” … مسرحية قصيرة في فصل واحد

الشخصيات:

ـ امرأة في منتصف الثلاثينيات تقريبًا .. ترتدي ملابس سوداء.

ـ رجل عجوز في منتصف الستينيات تقريبًا.

ـ قاطع التذاكر (في الأربعينيات من العمر).

ـ نادل المحطة (في العشرينيات من العمر).

المسرح مقسّم إلى ثلاث أجزاء دون فواصل …

الجانب الأيمن كأنه جزء من حجرة نوم: “دولاب صغير تعلوه حقيبة سفر ـ سرير صغير ـ كومودينو تعلوه أباجورة صغيرة ـ صور فوتوغرافية قديمة معلقة على الحائط يحمل كل برواز لها شريطًا أسود”.

الحيّز الأوسط عبارة عن شرفة منزل ترتفع قليلًا عن الأرض وممتلئة بأصص نباتات وزهور مختلفة.

الجانب الأيسر كأنه رصيف كافتيريا داخل محطة قطارات: “طاولة عليها مطفأة سجائر ويجاورها كرسي تحت لافتة (كافتيريا المحطة) بينما يظهر شبّاك قطع التذاكر بالقرب من الطاولة والكرسي”.

المسرح مضاء بالكامل، ولكن لكل جزء من الأجزاء الثلاثة إضاءة مختلفة …

تظهر المرأة جالسة في صمت فوق طرف السرير عاقدة ذراعيها بملامح حزينة، شاردة  في الجانب الأيمن من المسرح .. الرجل يقف داخل الشرفة في منتصف المسرح يسقي النباتات والزهور وينظفها بعناية تامة …

المرأة تنهض فجأة ثم تمد يدها لتأخذ حقيبة السفر من فوق الدولاب وتضعها على السرير .. تفتح الدولاب لتخرج منه ملابسها تباعًا وتضعها داخل الحقيبة .. بعدما تنتهي؛ تغلق الحقيبة وتحملها في يدها بينما تعلق حقيبة يدها الصغيرة على كتفها الآخر ثم تُطفئ ضوء حجرتها وتغادر الجانب الأيمن من المسرح .. تتوقف خطوات المرأة أمام الشرفة حيث الرجل لا يزال منهمكًا في سقي وتنظيف النباتات والزهور .. تنظر المرأة إليه وتخاطبه قائلة:

“لماذا تفعل ذلك؟ .. لماذا تعتني بتلك النباتات والزهور؟ .. ألم تجرّب الفقد؟ .. ألا تشعر بالحسرة؟”.

لا يرد الرجل على المرأة ولا ينظر لها مطلقًا .. يواصل ما يفعله في صمت وتركيز.

تستمر المرأة في طريقها وهي تحمل حقيبة السفر نحو الجانب الأيسر من المسرح .. تقف أمام شباك قطع التذاكر حيث يظهر رجل وراءه، يأخذ النقود من المرأة ويعطيها تذكرة .. تتحرك المرأة لتجلس على المقعد بجوار الطاولة .. تشعل سيجارة .. يقترب منها النادل .. تقول له:

“فنجان قهوة سادة من فضلك”.

يذهب النادل ويعود بفنجان القهوة ويضعه على الطاولة بينما المرأة تواصل تدخين سيجارتها وهي تحدق في التذكرة بين يديها .. تلتقط فنجان القهوة وترتشف منه رشفة واحدة ثم تعيده إلى مكانه .. يُسمع صوت القطار بينما تسحب المرأة من سيجارتها نفسًا قويًا ثم تطفئها بعصبية قبل أن تمزق التذكرة وتلقي بقصاصاتها على الأرض .. تنهض المرأة ثم تتحرك مجددًا نحو منتصف المسرح حاملة حقيبة السفر بينما حقيبة يدها الصغيرة معلّقة على كتفها الآخر .. تتوقف خطواتها أمام الشرفة حيث الرجل لا يزال منهمكًا في سقي وتنظيف النباتات والزهور .. تنظر المرأة إليه وتخاطبه قائلة:

“كيف لا يستوعب عجوز مثلك أن العالم لا يستحق أن تُزرع فيه ولو مجرد نبتة صغيرة؟ .. أنت تذكرني بطفولتي .. مفارقة هزلية أن يذكّرني عجوز مثلك بطفولتي .. حينما كنت أملأ شرفتي بالأصص التي تمتد منها الغصون المتشابكة والأوراق الخضراء الكثيفة .. لم أكن قد فقدت حبيبًا بعد .. الآن لم تعد لدي شرفة .. مجرد خواء ثقيل من الحسرة المقبضة .. ذلك لأنني فقد حبيبًا تلو الآخر .. فقدتهم بالبساطة نفسها التي تقضم بها يد لامبالية غصنًا أو تنزع منه ورقة خضراء”.

لا يرد الرجل على المرأة ولا ينظر لها مطلقًا .. يواصل ما يفعله في صمت وتركيز.

تستمر المرأة في طريقها وهي تحمل حقيبة السفر نحو الجانب الأيمن من المسرح .. تضيء حجرتها وتبدأ في إخراج ملابسها ثانية وإعادتها إلى الدولاب قبل أن تضع حقيبة السفر في مكانها .. تجلس المرأة على طرف السرير وتعقد ذراعيها وتبقى صامتة بملامح حزينة وشاردة .. الرجل لا يزال يقف داخل الشرفة في منتصف المسرح، يسقي النباتات والزهور وينظفها بعناية تامة.

بعد قليل تنهض المرأة ثم تمد يدها لتأخذ حقيبة السفر من فوق الدولاب وتضعها على السرير .. تفتح الدولاب لتخرج منه ملابسها تباعًا وتضعها داخل الحقيبة .. بعدما تنتهي؛ تغلق الحقيبة وتحملها في يدها بينما تعلق حقيبة يدها الصغيرة على كتفها الآخر ثم تُطفئ ضوء حجرتها وتغادر الجانب الأيمن من المسرح .. تتوقف خطوات المرأة أمام الشرفة حيث الرجل لا يزال منهمكًا في سقي وتنظيف النباتات والزهور .. تنظر المرأة إليه وتخاطبه قائلة:

“إنني أرى فيك أنقاض عالمي القديم .. الوعود المغدورة لأحلامي .. أرى فيك تجسيدًا لوهم الجمال الذي تمارس الحياة شرورها من خلاله .. إنني أكرهك .. أكرهك لدرجة أنني أتمنى موتك”.

لا يرد الرجل على المرأة ولا ينظر لها مطلقًا .. يواصل ما يفعله في صمت وتركيز.

تستمر المرأة في طريقها وهي تحمل حقيبة السفر نحو الجانب الأيسر من المسرح .. تقف أمام شباك قطع التذاكر حيث يظهر رجل وراءه، يأخذ النقود من المرأة ويعطيها تذكرة .. تتحرك المرأة لتجلس على المقعد بجوار الطاولة .. تشعل سيجارة .. يقترب منها النادل .. تقول له:

“فنجان قهوة سادة من فضلك”.

يذهب النادل ويعود بفنجان القهوة ويضعه على الطاولة بينما المرأة تواصل تدخين سيجارتها وهي تحدق في التذكرة بين يديها .. تلتقط فنجان القهوة وترتشف منه رشفة واحدة ثم تعيده إلى مكانه .. يُسمع صوت القطار بينما تسحب المرأة من سيجارتها نفسًا قويًا ثم تطفئها بعصبية قبل أن تمزق التذكرة وتلقي بقصاصاتها على الأرض .. تنهض المرأة ثم تتحرك مجددًا نحو منتصف المسرح حاملة حقيبة السفر بينما حقيبة يدها الصغيرة معلّقة على كتفها الآخر .. تتوقف خطواتها أمام الشرفة حيث الرجل لا يزال منهمكًا في سقي وتنظيف النباتات والزهور .. تنظر المرأة إليه وتخاطبه قائلة:

“أتعرف؟ .. إنني لا أتمنى موتك فحسب بل إنني أتمنى لو كان بوسعي أن أقتلك بيدي”.

لا يرد الرجل على المرأة ولا ينظر لها مطلقًا .. يواصل ما يفعله في صمت وتركيز.

تستمر المرأة في طريقها وهي تحمل حقيبة السفر نحو الجانب الأيمن من المسرح …

لكن الرجل يلتفت لها فجأة قائلًا:

“أتعرفين؟”

تتوقف خطوات المرأة قبل عودتها إلى حجرتها .. تلتفت إلى الرجل الذي يواصل مخاطبتها:

“ربما عليكِ الذهاب وحدك إلى قاعة رقص فارغة …”

في هذه اللحظة ينسدل ستار يغطي كاملًا أجزاء المسرح الثلاثة بما فيها الرجل داخل الشرفة .. يخفي الستار هذه الأجزاء ويفصلها عن المرأة لتصبح وحدها أمام ذلك الستار الذي يبدو كجدار لقاعة رقص .. تتحوّل الأضواء إلى إشعاعات متباينة، خافتة، راقصة، مع انبعاث موسيقى تبدأ المرأة في الرقص معها بعد تردد، مع استمرار سماعها الرجل يخاطبها بصوت يحمل بصمة صدى:

“تخيلي أن هناك من تتمنين أن تشاركيه هذه الرقصة .. رقصة واحدة فقط .. شخص غائب …”

تبدأ المرأة في الاندماج بالرقص كأن هناك من يشاركها حركاتها على نغمات وإيقاعات الموسيقى …

يواصل صوت الرجل مخاطبتها:

“في قاعة خالية .. وراء أبواب مغلقة .. كأنه معكِ .. كأن النغمات والإيقاعات تنبعث من داخلك …”.

ترتسم على وجه المرأة ابتسامة طفولية وهي تواصل الرقص مع استمرار صوت الرجل في التحدث إليها:

“أنت تعمدتِ ذلك .. أنتِ قصدتِ أن تأتي هنا بدونه .. حتى لا يتكرر الأمر ثانية .. حتى لا يكون معكِ في لحظة ثم تفقدينه في اللحظة التالية مثل أولئك الذين كنتِ تعيشين بينهم .. أنتِ تسبقين الحرمان المتوقع بخطوة .. ترقصين وحدك بدون حبيب يعذبك رحيله المحتوم .. نعم .. يمكنك أن ترقصي وحدك ولو رقصة واحدة فقط .. دون خوف من الحسرة”.

يتوقف صوت الموسيقى مع توقف صوت الرجل في اللحظة التي تنهي المرأة فيها رقصتها وتبقى ساكنة، منهكة، صامتة في مكانها .. تختفي الأضواء الباهتة لقاعة الرقصة تدريجيًا حتى يُظلم المسرح تمامًا.

يُضاء المسرح فجأة على التكوين السابق .. الجانبان: الأيمن (حجرة المرأة) والأيسر (كافتيريا المحطة) بلا إضاءة .. الضوء مركّز بقوة على الشرفة وأصص النباتات والزهور في منتصف المسرح حيث المرأة تجلس داخل الشرفة وحدها عاقدة ذراعيها بلا حركة أو كلمات، ودون وجود للرجل العجوز.

“ستار”