الأحد، 13 مارس 2022

عائلة سعيدة جدًا

عُرضت مسرحية “عائلة سعيدة جدًا” عام 1985  .. لا أتذكر هل كنت تجلس برفقتنا أنا ووالديك وشقيقيك حينما شاهدناها للمرة الأولى أم لا .. على الأرجح لم تكن بيننا في تلك الليلة .. لست متأكدًا أيضًا هل شاهدت هذه المسرحية في أي من عروضها التالية بالتليفزيون أم أنك لم تفعل على الإطلاق .. أريدك أن تشاهدها معي الآن .. ليست المسرحية كلها ولكن مشهدًا واحدًا فقط .. أريدك أن تشاهده بطريقتي .. تخيّل الأمر على النحو الآتي: ثلاثة رجال يفترشون صالة البيت الذي يسكنونه في الليل .. ثلاثة رجال من عائلة واحدة .. أعمار مختلفة، مهن مختلفة، طبائع مختلفة .. لكن يجمعهم ذلك الانطواء الليلي المثير .. توافق على الترقب والتلصص والتشريح .. تدبّر لتفاصيل اللغز المشوّق الذي يعيشونه والمتربّص بهم عبر السكون المظلم للشوارع الممتدة المحيطة بالبيت .. تبادل الدعابات الهازئة قبل النوم كتوطيد للتناغم الحميمي الذي يحتضن وجودهم داخل المغامرة المبهمة .. هناك نساء أيضًا وراء الأبواب المغلقة لحجرات النوم كونس ناعم تتطلبه الألفة الطفولية بين الرجال الثلاثة في تكاتفهم على اكتشاف الغموض الفاتن الذي قد يرسل مفاجأة جديدة لهم في أي لحظة .. ماذا لو أضفنا وجبة العشاء؟ .. أكواب الشاي؟ .. صوت الراديو بعد منتصف الليل؟ .. ماذا لو كان الرجال الثلاثة هم أنا وأنت وأخوك؟ .. ماذا لو كانوا أكثر من ثلاثة؟ .. أنا وأنت وأخوك وابن عمك؟ .. حتمًا تتذكر الليلة التي تشاجر فيها ابن عمك مع أبيه وترك له المنزل ثم جاء للمبيت عندنا .. تتذكر أنك أخذت مرتبة سريرك ووسادته من حجرة النوم وفرشتهما فوق أرض حجرة الصالون من أجل سهرتكما التي انتهت بالنوم في وقت متأخر .. دخلت أنا في الصباح بعد استيقاظكما إلى الصالون ووجدت ابن عمك يرتدي واحدة من بيجاماتك ويتناول معك الإفطار فوق المرتبة المفرودة على الأرض .. لكنك لا تعرف أنه المنظر الذي جعل ذلك الصباح واحدًا من الأوقات الأكثر بهجة في طفولتي .. لم يكن هناك شقيقي وابن عمي وقد قضيا ليلتهما في تلك الحجرة بسبب خلاف عائلي ما .. كانا شابين صديقين يتعاونان في تجانس بالغ المودة والشغف على حل أحجية كونية .. شمس النهار الرائق تضيء عبر الشباك المفتوح المكونات والطقوس المألوفة لحياتهما: تناول طعام الإفطار، تدخين السجائر، الاستماع إلى أغنيات الثمانينيات في المسجّل .. لكن الضوء في عينيّ كان غلالة رقيقة أيضًا تجعل الأشياء والممارسات العادية أغراضًا ضرورية لرحلة بحثية قررا أن يخوضاها معًا .. لاستقصاء غيبي .. بطوط والأولاد وعم دهب .. المغامرون الخمسة .. المغامرون الثلاثة .. كنت أتأمل وعدًا طازجًا بتحقق أحلامي .. أن أكون واحدًا من رفقة تقتحم المجهول .. من جماعة تتنقل بين مخبوءات الزمن .. ما حاولت أن أفعله وأنا طفل مع شقيقتي أثناء سهرها للمذاكرة بينما أتصوّر السرير الذي يجمعنا “جزيرة الكنز” .. ما جاهدت لحيازته على مدار عمري مع “أصدقائي” .. ما قاومت الاندماج في ظواهره طوال الوقت بوصفها أكاذيبًا معادية لفرديتي .. ما كافحت لتثبيته كحياة أصلية لي مع طفلتي في مداومة حتمية على تناول سم خيبة الأمل .. ما أبقاني وحدي في انكماش منعزل مع أقران متخيلين لا شكل ولا أسماء لهم .. مع مغامرين لم يوجدوا قط .. ربما هم أرواح يا مجدي .. أرواح الموتى الذين كنت أنت واحدًا منهم حيث لم يُسمح لنا بتجسيد ذلك الرجاء الطفولي القديم ..  هل كان الأمر سيصبح مختلفًا؟ .. أعني شكلًا مغايرًا للعنة؟ .. مصيرًا هلاكيًا بديلًا؟ .. لو كنا هؤلاء الرجال الذين يفترشون صالة البيت في ليل الثمانينيات .. هل كانت الذكريات ستقتلني الآن على نحو أكثر ضراوة؟