الاثنين، 22 يوليو 2019

يوميات: مكان سيء لقارئ محنّط

لو أعيدت كتابة السطور الافتتاحية على غلاف مجموعة "مكان جيد لسلحفاة محنطة" بطريقة التنبيه الموجز، الذي يفسّر ما بين كلماتها لكُتب على الغلاف: "تحذير ... كتابة مؤذية للقارئ المدجن، الخامل، ضارة بأصحاب الأذهان الناعمة".
تسخر مجموعة "مكان جيد لسلحفاة محنطة" بصورة ضمنية، وعلى نحو استباقي من القطعان الأليفة على جودريدز، وداخل مفارخ النقد الأدبي .. هي بالطبع تدفع ثمن حرمانها للآخرين من الإشباع المسالم، لكن استمتاعها بالتسبب في الإزعاج هو الجوهر المسيطر على المشاهد كافة، خاصة تلك التي يحاول البعض استغلالها في مداواة أوجاعهم.
تحدثت في أكثر من مناسبة عن الأهداف المتعددة لورشتي القصصية؛ وأعتقد أن هذه فرصة ملائمة للكشف عن غرض أساسي لم أتكلّم عنه من قبل: أن تكون هذه الورشة خطوة دامغة لطلابها في محاولة تأصيل خبرة التعرّف على الفرق بين الكتابة الودودة والكتابة المستفزة .. بين القصة المروّضة، والقصة العدائية .. بين الكاتب الذي يخضع "تمرّده" لحدود مستأنسة، والكاتب الذي يمتلك غريزة اللعب الهادم بأي يقين، مهما كانت صلابته .. ألا تتعطّل يقظتهم تجاه الغايات النمطية اللطيفة التي يحاول القراء دائمًا تقييد النصوص الجامحة بأمانها المتوهّم .. ألا يكونوا مجرد نسخ هامدة ضمن قطعان جودريدز، وبصرف النظر عن هل سيستمرون في بذل الجهد اللازم لتحقيق ذلك أم لا .. ربما يتذكرون الآن محاضرة "الكولاج اللازمني" عن التحريفات الصادمة في قصة همنجواي "عجوز على الجسر" على سبيل المثال .. تستهدف ورشتي القصصية أن يأتي يوم يكتب فيه النقاد ـ من خارج المفرخة ـ عن مجموعات طلابها مثل هذه السطور للناقد المبدع "عمر شهريار" عن "مكان جيد لسلحفاة محنطة":
"ممدوح رزق يبحث طوال الوقت عن ثغرات العالم، كما أن الذات الساردة في كثير من قصصه هجومية .. عنيفة .. ساخرة، لكنها لا تنبع من قسوة أخلاقية، وإنما من إدراك عميق لعبثية العالم بوصفه مسخرة لا تحكمها قواعد سببية .. الذات المكرهة على الوجود، والتي تعرف أن كل شيء هو عبث، وبلا روابط منطقية؛ فتحل المتاهة (الخيوط المتشابكة، والمعقدة التي لا تؤدي لبعضها بالضرورة) محل البناء السردي الممنهج".
أو مثلما كتب الأستاذ الكبير "محسن يونس" عنها:                                                              
"قارئ ممدوح رزق سوف يتمتع بجانب قراءته قصصًا تعتمد على ذات فردية، والإبحار في وجودها بالمعنى الوجودي الباحث في كينونته وماهيته في هذه الحياة المهولة، ودروبها العجائبية والغريبة عن الإحاطة، من خلال موقف درامي طازج يحسب للكاتب أنه له وحده، ولا شبيه له في كتّاب قصصنا في الوقت المعاصر".
مجموعة "مكان جيد لسلحفاة محنطة" هي مكان سيء لقارئ محنط.