الاثنين، 21 مارس 2016

النقد الإيروتيكي

سأقتبس الآن فقرة من مقال سابق لي بعنوان (من الشعر إلى الواقع): (لكن الواقع يرتفع فوق حتمية الحدوث الفعلي؛ فالأكاذيب تساهم في إنتاج الحقيقة بضرورة مساوية لما تنجزه التجارب المدركة .. الإشارات التوثيقية هي آثار تتخطى الصدق والادعاء، فتظهر كمقاطع من مذكرات خاصة لحياة أُعيد تشكيلها على نحو لا يُراد التشكيك في صوابه .. من هنا يبدو الوجود كأنه غنائم من الخبرات المتصارعة التي يتم تمريرها داخل الشعر ثم إعادتها إلى العالم كحضور مغاير، طبيعة مختلفة، لكنها مؤكدة باعتبارها احتمالات لها صفة البداهة، أي تستعير إلزام الظواهر والمشاهد الملموسة).
وصفت (مها الجويني) نصها بأنه (بورتريه مستقبلي تخييلي)، وأنا لا يعنيني كيفية تصور المستقبل أو مساحة الخيال في النص لأن هذا البورتريه أصبح هو الواقع الذي أمتلكه عن (مها الجويني) .. الحقيقة التي تتجاوز الاستفهام حول إذا ما كانت أحداث النص قد وقعت جميعها بالفعل أو بعض منها أو لم تقع على الإطلاق، وإذا كانت هذه الأحداث في طريقها للوجود (مستقبلاً) سواء بكاملها أو بكثير أو قليل منها أو لن توجد أبداً .. لقد وقعت ـ بالنسبة لي ـ جميع أحداث هذا النص فعلاً بمجرد كتابته، أي بمجرد أن شكّلتها (مها الجويني) لذا أصبحت هي الحقيقة التي تعلو فوق الانشغال بمدى الصدق والزيف في متنها .. إن (مازال مقتنعا بأنه أول من افتضها) هو النص الذي لا يوجد شيء خارجه بحسب (جاك دريدا)، أي أنه الوجود الخاص بـ (مها الجويني) الذي يتجاوز حدوده الكتابية المعلنة ليشمل حياتها بأكملها، حتى التفاصيل التي بدا أنه لم يتضمنها .. لقد تعاملت مع هذا النص كأثر شخصي مدعوم بالتأكيدات المعرفية التي يمكن الحصول عليها من الأدلة المتاحة على الإنترنت عن (مها الجويني)، والتي تتطابق بشكل ما مع (المعلومات) الواردة في النص .. هذه الممارسة النقدية ستقودني إلى متعة حسية تتأسس على العلاقات الجمالية بين (الكتابة) و(الصورة) و(التناص)، والتي ستُخلق بالتالي على إثرها علاقات شبقية لانهائية، تتخطى الارتباطات التمهيدية التي تجمع النص الأدبي والفوتوغرافيا الشخصية والتفاعلات المشيّدة مع نصوص كتابية وبصرية أخرى .. هل يعيد النقد الإيروتيكي ـ بهذه الطريقة ـ تعريف النص الإيروتيكي؟ .. هذا مؤكد، ولكن ينبغي أن أكون أكثر دقة وأقول أن النقد الإيروتيكي سيحوّل تعريف النص الإيروتيكي إلى احتمالات لا يمكن تأطيرها، تزاوج بين الفني والشخصي والتاريخي حيث لا يمكن تعطيل (إعادة الكتابة) عند ذات معيّنة في لعبة التداول والإرجاء وتغييب المعنى.
من كتاب "النقد الإيروتيكي / مدخل تطبيقي لمنهج جديد" ـ يصدر قريباً.
الصورة: (نادية عبد الواحد بعدسة فان ليو).