الأربعاء، 3 فبراير 2016

حوار حي ومباشر: ممدوح رزق | خالد بن صالح

حوار حي ومباشر: محاولة خاصة وحثيثة للإضاءة على عوالم كتّاب ومبدعين أوكسجينين أو غير أكسجينين وضبطهم متلبسين بإبداعاتهم وعيشهم وحيواتهم، على شيء من العفوية ومن دون تحضير مسبق سوى تحديد موعد للّقاء في مربع "الشات" على "الفايسبوك" ليمضي بن صالح في دردشة حية ومباشرة مع من يحاوره: سؤال فجواب، أسئلة سريعة خاطفة وإجابات مكثفة أيضاً من دون تحرير أو تنقيح، كما لو أنه حديث ودي وشيّق يجري في حانة أو مقهى، أو حديث يخرج من حيث لا ندري في مشوار لا نريد له أن ينتهي.
إليكم هذا الحوار المدهش مع الكاتب المصري ممدوح رزق وهو يبادل بن صالح الأسئلة بينما يتيح لنا هذا الحوار التلصص على شيء من عوالم رزق المترامية..هلموا إلى الحوار: 
***
- كيف بدأت الكتابة؟
- بدأت الكتابة حينما قررت أن أكتب في الطفولة قصة قصيرة تشبه"الشقاء" لتشيخوف، وتحمل بصمة من الأفكار والمشاهدات الخاصة بعالمي الصغير، وتدعمها قراءات النسخ المبسطة للكلاسيكيات، وروايات الأدب البوليسي، ومجلات الكوميكس .. كان في الأمر ـ ومايزال ـ توثيقا للألعاب الذهنية والخيالات الاستكشافية المختلسة بعيدا عن سلطة الأسرة والمدرسة، وبناء حيز خاص مقفل ومنكمش ـ يشبه الحجرات السرية في البيوت القديمة ـ من الانفلات خارج حتمية الحياة في مكان وزمن محددين، وسط بشر ووجوه بعينها.
- كيف تراها الآن تلك البداية؟
- أراها لحظة ممتدة في الزمن، وتعيد خلق نفسها مع كل بداية، أي مع كل شروع في كتابة نص جديد.
يسألني ممدوح وأنتَ كيف بدأت الكتابة؟ وأجيب:
- بدأت كقارئ نهم، بالتسلل إلى عالم الكتابة من أبوابه الخلفية، امرأة ما سلبتني الألوان ومنحتني بدل ذلك مجزرة من الحروف والكلمات، لا أدري كيف تحولت تلك الرسائل إلى قصائد، ولا أريد أن أعرف.
- عبر عدة نصوص وقصائد تستحضر أفلاماً مثل النافذة السرية والزوجة غير الوفية أو الخائنة وتكتبها بطريقتك، أليس في الأمر مخاطرة؟
- ليس استحضارا، وإنما من الممكن أن تقول اشتباكا مع الأفلام يعيد انتاجها سرديا أو شعريا- بطريقتي-  كما ذكرت، وليس في هذا مخاطرة للوقوع في فخ أو أزمة .. أنا استعمل المشاهدات والقراءات مثلما أستخدم البشر في الكتابة التي أريدها ولا يعنيني شيء غير ذلك.
- لو لم تكن الكاتب ممدوح رزق، ماذا كنت تتمنى أن تكون؟
- بالنسبة لي الكتابة ليست بديلاً لعمل آخر .. كنت أتمنى أن أشتغل بمهن لا حصر لها، أو  لنقل بشكل أدق كنت أتمنى أن أحصل على حيوات لا نهائية، ولكن من المستحيل التفكير في امتلاكي لهذه الحيوات من دون أن أكون كاتباً .. لو كنت فلاحاً مثلا (في صورته الكلاسيكية) وهو ما أتمناه الآن بقوة: أزرع الحقل، وأربي الحيوانات والطيور وأعيش في بيت ريفي بالقرب من بحيرة ما، وسط الطبيعة المازجة بين الأزرق والأخضر بالتأكيد كنت سأجلس للكتابة في الليل عن حياة أخرى غامضة لم أحصل عليها بعد.
- ذكرتني بالشاعر الأمريكي "الفلاح" تيد كوزر، الكتابة بهذا الشكل خيار حياة ... أليس كذلك؟
- فعلا وربما هو خيار الحياة الذي بوسعه أن يعطيك الحيوات الأخرى بنفس حدة تعريفك على غموضها، أي على عدم قدرتك على امتلاك الحياة.
- السؤال هنا من ممدوح: وهل كانت لك أمنية في عمل آخر لو لم تكن كاتباً؟
- الرسام هو ما كنت ولا زلت عليه، حتى من دون لوحات، وها أنا اليوم مجرم مع سبق الإصرار والترصد بعد اقترافي للكتابة ليست كخيار إبداعي نهائي فحسب، بل كحياة بأكملها وإن كنت أعيشها بالتقسيط.
- جملة أو عنوان أو فكرة لكاتب آخر ترددها بينك وبين نفسك دائما؟
- أشرب نخبك أيتها الأشياء الرائعة في العالم! أنا الأكثر زوالا، والأكثر إيمانا، والأكثر حزنا، الذي يعاني خشية الموت أكثر منكن جميعا" هيرمان هسّه / صيف كلنكسر الأخير".
- بين الشعر والقصة والرواية وكتابة السيناريو والنقد، كيف تعيش لحظة الكتابة؟
- لا توجد لحظة تشبه الأخرى، مهما بدا أن هناك (روح) مهيمنة ـ لو كان هذا التعبير مناسباً ـ  أو طبيعة ثابتة تطغى على هذا الاختلاف، لكنني على أي حال مازلت أشعر حتى الآن ـ كما أجبت على سؤال مشابه منذ سنوات طويلة ـ بأنني أكتب القصة القصيرة طوال الوقت، حتى وأنا أكتب الشعر والرواية والسيناريو والنقد الأدبي.
- يعاجلني ممدوح بسؤال: أريدك أن تختار نصاً لك وآخر لغيرك يمكنك تحويلهما إلى فيلمين قصيرين مثلاً لو أتيحت لك الفرصة؟
- لا شك أن تحويل نص شعري إلى فيلم قصير، منجز يهتم له كل كاتب، إذا ما تحققت الدهشة والمفاجأة في إخراجه، يحضرني نص "الآسيوي" لزياد عبد الله من مجموعته "ملائكة الطرقات السريعة" ولي أختار نص "أجنحة إوزة بلاستيكية" من مجموعتي "مائة وعشرون مترا عن البيت".
-  كحول، دخان، قهوة، موسيقى.. بماذا تستعين أثناء الكتابة؟
- انقطعت علاقتي منذ سنوات بالكحول والدخان ـ عدا مصادفات نادرة ـ أما القهوة والموسيقى فهما من الضروريات اليومية، لكنهما ليستا من الشروط الأساسية للكتابة .. لا أحتاج إلى توفر عوامل معينة، ولم يسبق أن توقفت لحظةُ الكتابة عندي على طقوس حتمية .. الشرط الأساسي ـ البديهي ـ للكتابة بالنسبة لي: الوجود داخل حيز من الصمت التام.
- يسألني ممدوح بالمقابل: حدثني عن عاداتك القرائية؟
- لا عادات لي، أقرأ كلما أتيحت الفرصة لذلك، وبمرافقة موسيقية كثيرا ما يكون اختيارها عفوياً أو متروكاً للصدفة. طبعاً قبل النوم أحب ملامسة الورق ولو لبضع دقائق.
-  هل من كاتب عربي يعتبرونه عظيماً بينما تعتبره عكس ذلك، لنقل تافهاً؟
- في تصوري لا يوجد كاتب"عظيم" وآخر "تافه، العظمة والتفاهة من أحكام القيمة التي لا استعملها مطلقاً، لكن بشكل عام أرى ـ كما قلت قبل ذلك ـ أن الأدب العربي لطيف ومسالم، أي لا يشكل أدنى تهديد للقارىء، خصوصاً العربي المسلم .. من المتع المضمونة والمضحكة لي قراءة رواية عربية لم تتوقف دعايتها الصحفية والنقدية عن تثبيت اختلافها وتمردها، وتحطيمها للمألوف والسائد، وهي مجرد معزة جديدة أضيفت إلى القطيع التاريخي. 
-  أنت كاتب غزير الانتاج وفي أجناس أدبية متعددة، هل تؤسس لمشروع ما؟
- بالتأكيد لا .. أنا لاعب خبيث، وناصب أفخاخ متنكر، ومدبر مكائد وحيّل هازئة، وهذا يجعلني أبعد ما يكون عن الارتباط بمشروع ما .. أتذكر الآن استعارة "القناع" عند رولان بارت) .. لكنني منذ سنوات بدأت في التفكير، أو بمعنى أصح بدأت بالاستجابة لإغراء التحليل النظري لرؤى خاصة في الكتابة والنقد الأدبي، وتطبيقاتها، وهذه ليست ممارسة (تنظيرية) لأنها لا تنطوي على توجيه أو إرشاد متحيز نحو الحقيقة، وإنما أرى أنه نوع آخر من اللعب الذي أحب أن يقترن باسمي.
- بدوره يسألني ممدوح: ولماذا يكتب خالد بن صالح؟
- أكتب لأن عطباً ما أصابني، يصعب إصلاحه. أو كما قلت ذات مرة وأكرِّر تلك المقولة الساذجة إن جاز التعبير: أكتب لأن قطار الحلم توقف في محطة خاوية، أنا ملك كل هذا الخواء اليوم.
- ماذا بعد "الفشل في النوم مع السيدة نون"؟
- رواية جديدة تدخل كتابتها بعد أيام عامها الثالث .. كتاب "ترويض العزلة" وهو قراءات في كلاسيكيات القصة القصيرة .. "عتبات المحو" وهو كتاب في النقد التطبيقي .. أكتب أيضاً سيناريو فيلم قصير عن قصة "القط الأسود" لـ إدجار ألان بو كما أنتظر صدور مجموعتي القصصية الجديدة ”دون أن يصل إلى الأورجازم الأخير".
- يقول ممدوح دوري الآن لأسألك: ما هي فكرتك عن ما يسمى بـ "الخلود الأدبي"؟
- لا فكرة لدي، في هذه الحياة التي أعيشها أحاول أن أكتب بشكل جيد وأن أكون كاتباً حقيقياً، يستمتع بما يكتب، ويراهن على أسباب الكتابة وجمالياتها وعبثها وجنونها، التفكير في الزمن وعلاقته بما أكتب من أدب ليس هاجسي ولن يكون.
ويضيف:
- هل تتحدث مع الموتى؟
- هم من يحدثوني، ويساعدوني في الكتابة أحياناً.
- صف لي في بضع كلمات موقع قصيدة النثر المصرية في المشهد الأدبي اليوم؟ هل من أسماء لشعراء تحب تجاربهم؟
- أتصور أن شعراء قصيدة النثر الجدد أقل حظاً؛ إذ فاتتهم حروب التسعينيات الشهيرة، التي أخرجت "أبطالها" من الهامش إلى السلطة الرسمية للشعر، وبالتالي حُرم هؤلاء من كل شيء تقريباً: النشر (كم دار نشر تطبع شعراً الآن ولأي شعراء!؟) وكذلك الاهتمام النقدي والمهرجانات والحصص الصحفية في الجرائد والمجلات ... إلخ .. بالنسبة لي أحب قصائد: محمد أبو زيد وابراهيم البجلاتي وحسني الزرقاوي وأحمد الشرقاوي وإيمان السباعي وأحمد عبد الجبار ومؤمن سمير.
-  "عداء النص" يكشف عن معايشة حميمة مع نص الآخر، ماذا تمثل لك هذه التجربة؟
- تمثل تجربة عزيزة لأنها كتابي النقدي الأول، وتتضمن جميع قراءتي الأولى للأعمال الأدبية، ومنها أعمال كانت كتابتي عنها (وش السعد) عليّ كناقد.
- في المقابل يسألني ممدوح: ما أكثر ما تندم عليه؟
- أكثر من عشرين لوحة جمعتها في باحة البيت وأحرقتها، دون سبب واضح. وما لم أندم عليه بعدها، عشرات القصائد التي أعدمتها. ربما لأنني أعتقد أن الشعر هو فن الحذف.
-  كيف يبدأ ممدوح يومه؟
- أبدأ يومي بفتح النافذة، واستنشاق هواء الصباح الباكر أو (رائحة الابتدائي الشتوية) ثم أُشغّل إذاعة Jaaz Radio  أو Jaaz24 قبل أن أبدأ العمل.
-  هل تؤمن بالحظ؟
- ربما أؤمن أكثر بالفوضى أو بـ (الصدف الخبيثة) وهي أكثر شمولاً من الحظ لأنها لا تتجاهل المراوغات المخبوءة والغموض المخادع، غير المحكوم داخل كل ما يبدو استقرارا للخير والشر، كما أن الفوضى لا تستبعد محاولات (خلق المنطق) الذي يُنظم أوهامها.
-  هل أنت سعيد؟
- لست سعيدا بالطبع، ولكن ليس هذا سبب تعاستي، وإنما لأنني لم أمتلك جميع الآلام التي أظهرت الآخرين عبر الزمن كأنهم سعداء.
- كلمة عن "أوكسجين" وتجربتك معها؟
- أكتب في "أوكسجين" منذ بدايتها، وهذا فخر كبير لي، كما أعتز للغاية بصداقتي بمؤسسها (زياد عبد الله) وهو مبدع رائع أحترمه جداً، ومن أجمل لحظاتي ككاتب هي تلك التي أرى فيها نصاً لي على "أوكسجين" لأنها منذ بدايتها وحتى الآن لم تتنازل عن تميزها كـ (احتفال سري) بالجرائم واللعنات كما كتبت عنها منذ سنوات .. لعل بالإمكان فهم المقصود بـ (سرية) الاحتفال الأوكسجيني عند النظر إلى أولئك الذين لم يستوعبوا حتى الآن طبيعته .. أتذكر ما كتبه (زياد عبد الله) عن المساهمات اليومية التي تصله، والمنفصلة عن ما تقدمه "أوكسجين" .. أتمنى لها أن تبقى وتزدهر إلكترونياً وورقياً كما يليق بها.
أوكسجين
العدد 186