الأحد، 20 مايو 2018

سرير


صنعني أحد النجارين بـ (سيدي عبد القادر) في الخمسينيات، واحتفلت عليه بتحويل ابنة الخياطة خريجة معهد المعلمات إلى امرأة .. ظللت تضاجعها فوقي عشرات السنوات، وكنت تتمدد عليّ محدقا في السقف لفترات طويلة وأحيانا تبكي .. تحوّلت إلى فراش طفل صغير يقضي حاجته على نفسه طوال أعوام الزهايمر التي أنهاها الموت.
تمدد عليّ اليوم وبعد ثمانية سنوات من غيابك شخص لا يعرفك .. ابنك أيضا لم يعرفه سوى اليوم .. شخص طلب أمام الكاميرا من البنت التي سيبدو أنه كان نائما معها فوقي أن تغني له أغنية قديمة قبل أن ترحل .. ابنك لم يكن يعلم وهو يكتب القصة ويعد السيناريو أنه سينام عليّ .. كانت رغبة المخرج الذي لا يعرفك أيضا .. هذا الرجل كان عليه أن يكون واحدا من البشر الذين يعيشون ويموتون داخل ابنك، وكان على البنت أن تكون الجارة التي تركت في نهاية طفولتها بيتك هذا، وكانت تغني فوق سلالمه تلك الأغنية بينما الطفل الذي قابلها صدفة بعد عشرين سنة تعوّد مراقبتها دون أن تشعر.
بعد الانتهاء من تصوير (إخفاء العالم)* رحل الجميع .. ربما كان الإجهاد مجرد عذر لعدم رجوع ابنك إلى بيته وتحقيق رغبته في أن ينام مكانك تلك الليلة .. آلمتني تقلبات أرقه طوال الليل فظللت أتوجع بقوة مسموعة لكنني هدأت تماما حينما بدأ يمارس العادة السرية وهو يفكر في الجارة الحقيقية التي لم يضاجعها أبدا، وفي الممثلة التي أدت دورها والتي لا يظن أنه سيتمكن ذات يوم من الوصول لجسمها في الواقع .. عرف ابنك إلى أي مدى صرت عجوزا، وإلى أي مدى نجحت شيخوختي في جعل الحياة عبئا قاسيا عليّ .. لكنه بعد أيام وبينما كان يشاهد الفيلم أدرك أنني خدعتكم جميعا .. النجار وأنت وزوجتك وابنك والممثل .. رآني في الفيلم أكتم ضحكاتي بشغف طفل يراقب من مخبأه السري حيلة دبرها لكبار غافلين .. الحقيقة أنه رآني ميتا أكثر مما كان يتوقع.
من مجموعة "مكان جيد لسلحفاة محنطة" ـ سلسلة حروف / الهيئة العامة لقصور الثقافة 2014
*
إخفاء العالم: قصة من مجموعتي (قبل القيامة بقليل) الصادرة في 2011 عن دار عرب، وتم تحويلها لفيلم روائي قصير في 2012، إخراج: محمد صبري.